23 ديسمبر 2025
عبير الهاجري تكتب: الدبلوماسية الإنسانية بين بنما والإمارات.. مفهوم جديد للسيادة وصنع الأمان القادم

تطرح قصة قناة بنما سؤالاً جوهريًا حول معنى حقوق الإنسان والعدل التاريخي، هل هي بند استحقاق تجاه الشعوب والأرض، أم قيمة أخلاقية ترتقي بها الأمم حين تعي أن كرامة المواطن أساس كل نهضة؟ فحين تتقدم القيم الإنسانية على الطموح، وتُستعاد الموارد بوصفها امتدادًا  مُدرًا للسيادة لا مجرد أدوات اقتصادية، يتجلى المعنى الحقيقي للدبلوماسية الإنسانية.

إنّ علاقة  الإمارات  وبنما  بالدبلوماسية الإنسانية تتجسد بوضوح في مسار تاريخي استطاع الإصرار تحقيق دولة صغيرة إلى تحوّل موردًا استراتيجيًا ومنصة لصناعة مستقبل جديد، فالدبلوماسية الإنسانية في هذا السياق لا تُختزل في الإغاثة الطارئة، بل تمتد لتشمل بناء بيئات مستدامة تمنع نشوء الأزمات قبل حدوثها. 

وقد شكّل استعادة بنما لسيادتها الكاملة على القناة مثالاً على الاستثمار في الكرامة الوطنية، حيث تحوّل الدخل من ملكية خارجية إلى رافد وطني يدعم التعليم والصحة والبنية التحتية، وهكذا أصبح المورد الاستراتيجي أداة مباشرة لرفع جودة الحياة وصون كرامة المواطنين، وهو جوهر الدبلوماسية التي ترتكز على الإنسان أولاً.

ولأن القناة تعتمد على نظام مائي بالغ الحساسية، برزت العدالة البيئية بوصفها جزءاً من المسؤولية الإنسانية، فالمحافظة على التوازن البيئي لم تكن مجرد قرار تقني، بل التزام أخلاقي تجاه المجتمعات التي تتأثر مباشرة بأي اضطراب مائي أو بيئي، ما جعل إدارة القناة عملاً دبلوماسياً يحمي البيئة والإنسان في آن واحد.

ولا يمكن الحديث عن قناة بنما دون استحضار الإرث الإنساني المرتبط ببنائها، آلاف العمال الذين قدموا من مناطق الكاريبي ضحّوا بحياتهم في مواجهة الأمراض والظروف القاسية، والاعتراف بهذه التضحيات لم يكن حدثاً تاريخياً فحسب، بل ممارسة للدبلوماسية الإنسانية التي تعيد الكرامة لأصحاب الحق، وتحول ذكرى  التحديات إلى استثمار في المستقبل، فحين تستخدم عائدات القناة في بناء أنظمة تعليمية وصحية قوية، تتحول المعاناة الماضية إلى أساس لحياة أكثر عدلاً للأجيال الجديدة.

نجاح بنما في استعادة القناة عبر الدبلوماسية وعهد تاريخى حرك الإنسانية  كمركز أساسي، قدّم نموذجًا ملهمًا للدول الصغيرة، مؤكدًا أن الإرادة الوطنية حين  تؤمن  بأن  القانون  والتخطيط البعيد المدى تستطيع من خلاله إنهاء أشكال "الاحتلال الاقتصادي" بل وتحقيق السيادة، هذا الدرس الإنساني تردد صداه عالميًا، ليشير إلى أن السيادة ليست صراعاً فقط، بل مساراً واعياً يعبر من بوابات العدالة والكرامة.

قصة قناة بنما هي في جوهرها قصة عن تحويل السيادة إلى نهضة، والموارد إلى مشروعات تنمية مستدامة، والإرث التاريخي إلى طاقة مستقبلية، وهي أيضاً إجابة صريحة عن سؤال التأثير في العولمة: فالأمم التي تخطط بوعي، وتدير مواردها بحكمة، وتمنح الإنسان حقه، لا تكتفي بصناعة الأمان القادم، بل تصبح هي نفسها جزءاً من تشكيل مسارات العالم، كما تفعل اليوم دول الخليج وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة عبر الاستثمار في التنمية المستدامة والارتقاء بالإنسان.

اذًا إن النفوذ الدولي الذي تتمتع به دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم ليس مبنيًا على  دعوة لحقوق الإنسان  دوليًا، بل على أساس متين من الإنجازات في نهج الإنسان والالتزامات والانفتاح الاقتصادي المدروس الذي يتميز بـوضوح الرؤية المستقبلية*.

هذه المقومات الاقتصادية والاستراتيجية تتكامل مع مبدأ أساسي وهو أن المسؤولية الإنسانية في الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي هو واجب أصيل ومستدام وليس مجرد موقف إغاثي، هذا الالتزام نابع من قيم الأرض وموروث الأمم الخليجية، وبهذا تؤكد مكانتها كشريك موثوق به على الساحة العالمية.

إن الإرث الحقيقي للبطولة المؤسسية لا يكمن فقط في استعادة مورد استراتيجي مثل قناة بنما، بل في تحويله إلى منصة للتعايش وقرار سامٍ يؤمن بأن حقوق الإنسان بند استحقاق يليق بالشعوب وبالأرض النبيلة، فحين تختار الأمم التخطيط العادل والإدارة الحكيمة، فإنها لا تحمي مستقبلها فقط، بل تصبح منارات تُضيء دروب العولمة الإنسانية القادمة.

السؤال الذي قد يتبادر للأذهان هو لماذا المقارنة بدولة  مثل بنما اليوم؟.

الإجابة تكمن في أن التاريخ الدولي غالبًا ما تعامل مع هذه الدول ككيانات خدمية أو نِقاط عبور ولم ينظر إليها كمكافحين فاعلين.

لكن في عالمنا المعاصر، يبرز الاختلاف بحسم وحزم بل فخر، فدول الخليج لم تكتفِ بتجاوز هذة التحولات، بل أعادت رسم العالم العربي بأسره من الناحية الاقتصادية والسياسية، وفوق ذلك، فرضت مكانتها كـقوة محورية على الخريطة الخارجية والدولية، هذا هو جوهر النهضة الفكرية الذي يميزها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكترونى

كل التعليقات

طلبات الخدمات
تواصل معنا
جميع الحقوق محفوظة لصالح سعادة نيوز© 2025
Powered by Saadaah Enterprises FZ LLE