نَحتفي في الثّاني من ديسمبر من كلّ عامٍ بتجربةٍ استثنائيّةٍ في تاريخ الأُمَمِ، بِفكرةٍ عميقةٍ وَقِيَمٍ راسخةٍ تَجسّدت في اتّحادٍ وُلِدَ تحت قيادةٍ حكيمةٍ آمنَت بِرُؤيتِها المُمتدّةِ عبر الأجيالِ، حتّى تَجَلَّتِ الإماراتُ مُعجزةً وُلِدَتْ في قَلبِ الصّحراءِ، وَغَدَتْ سِجِلًّا حافِلًا بالإنجازاتِ الّتي تُضيء مسيرةَ الوطنِ، وأصبحت منارةَ تنميةٍ وتميّزٍ، فهذا الاتّحادُ روحُ وطنٍ وقلبٌ نابضٌ، لَخَّصَ حُبَّهُ الوالدُ المؤسّسُ الشيخ زايد رحمه الله بِقَولهِ: "إنّ الاتّحاد يعيشُ في نفسي وفي قَلبي وأعزّ ما في وُجودي".
بدأ الاتّحادُ بإيمانِ القيادةِ بالوحدةِ، حين انصهَرت الحدودُ، وتوحّدت القُلوبُ قبل الأراضي، فَغرس المؤسّسونَ روح الاتّحادِ في النّفوسِ قبل أن يكتُبوا الدّستور، إذ صنَعت الإماراتُ تجربتها التّنمويّة الفريدةَ عبر مسارٍ مُتوازنٍ، على رأسهِ قيادةٌ تمتلك الرّؤيةَ الواضحة لمستقبلِ الشعبِ والمنطقةِ، وتؤمنُ بالإنسانِ، بجانبِ منظومةٍ مُتكاملةٍ من القيَمِ، وَنِظامٍ يُحفّزُ على الابتِكارِ وَالسّعي لِلخيرِ، كما قال صاحبُ السموّ الشيخ محمد بن زايد حفظه الله: "المجتمعُ الإماراتيّ اتّخذَ من الابتِكارِ عُنوانًا لمسيرتهِ عبر التّاريخِ" ، فالقِيَمُ التي تتبنّاها الدّولةُ لم تكُن يومًا مُجرّد شعاراتٍ، بل ثقافةً تسري في تفاصيل المجتمعِ الإماراتيّ، وتشكّل وقودًا لِنهضتهِ وإنجازاتهِ التي تمتدّ من تمكين الإنسانِ إلى الأثرِ الـمَلموسِ في الـمجتمعاتِ، في مسيرةٍ تتجه بثباتٍ نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
وحينَ نلتفتُ إلى السياسة الخارجيّة، نرى أنّ السّلمَ وحُسن الجوارَ أساسُها، إذ تسعى دولة الإماراتِ لنشر قيم التّسامح وتقبّل الآخرين باختِلافاتهم، وَتحقّق حضورًا قويًّا في القضايا العالميّةِ بِصوتٍ مؤثّرٍ وعَملٍ حقيقيّ، وَيَدٍ سبّاقةٍ لِلخيرِ في مختلفِ الأقاليمِ، كما أكّدَ صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد حفظه الله هذا النّهجَ بِقولهِ: "إنّ دولة الإماراتِ من خلال سياستها ونموذجها في المنطقةِ، تُرسل رسائل إيجابيّة حول ضرورة التّسامُحِ والتّعايُشِ والعملِ التّنمويّ المشترك للتصدّي للعديد من التّحديات الّتي تُواجهنا مُجتمعين في إطار الأسرة الدوليّة".
اليومَ وبعد أربعةٍ وخمسين عامًا، تُحقّق الدولةُ مراكزَ متقدّمةً في مؤشّرات التنافسيّة العالميّة بِمجالاتها المختلفةِ، كما يبرزُ نجمُها في المحافل الدوليّةِ، مُترجمةً نجاحَ سياساتها واستراتيجيّاتها الطموحةِ، ومع كلّ الإنجازاتِ التي تحقّقتْ تُدركُ الإماراتُ أنّ العالمَ يستمرّ في التّغيير، وأنّ المستقبل يتطلّبُ مُواصلةَ السّعْيِ وَالعَملِ؛ لِذلك تُواصلُ اليومَ انطلاقها نحو المستقبلِ، بالعديدِ من الخُططِ، والمُبادراتِ، فها نَحنُ نحملُ رؤية "نحن الإماراتُ 2031" و"مئويّة الإمارات 2071"، لِنَبْنِيَ غدًا أكثرَ إشراقًا للوطنِ والأجيالِ القادمةِ.
تعودُ علينا هذه الـمُناسبةُ عامًا بعدَ عامٍ، ونحنُ أكثرُ تمسّكًا بجُذورِنا الأصيلةِ، وأكبَرُ أحلامًا لِـمُستقبلِنا، فهذهِ الأرضُ الطيّبةُ تحملُ مسيرةً شامخةً، بَدَأها الآباءُ المؤسّسونَ بِصدقٍ منذ أربعة وخمسين عامًا، وَسارَ على خُطاهُم الأبناءُ الـمُخلصونَ، وها نحنُ نُجدّدُ العهدَ بأن نبنيَ ونعمَل ونُخلِصَ ما حَيينا، لنُحافظ على إرث الوطنِ، ونُواصل مسيرةَ الاتّحادِ.